درس السعادة

من طرف Unknown  |  نشر في :  15:10 0



درس السعادة
 
السعادة
محاور الدرس

1) تمثلات السعادة.

2) البحث عن السعادة.

3) السعادة و الواجب.

تـقـديـــم:

     ليس يخفى، أن الفلسفة تنقسم إلى ثلاثة مباحث كبرى وهي : مبحث المعرفة ومبحث الانطولوجيا ومبحث القيم . ويطرح كل واحد من هذه المباحث جملة مفاهيم وإشكالات. ومن بين جملة تلكم المفاهيم التي يطرحها مبحث القيم، نلفي مفهوم" السعادة ". فما هي دلالة هذا المفهوم ؟

 الدلالة المتداولة:

    يتباين الناس في تمثلهم للسعادة، فمنهم من يرى السعادة في الصحة ، ومنهم من يراها في المال، ومنهم من يراها في الصداقة، ومنهم من يراها في راحة البال، ومنهم من يراها في تلبية كاملة للرغبات، وتحقيق المتعة في شتى أشكالها … والعلة في اختلاف الناس في تمثلهم للسعادة هو جانب النقص الذي يعاني منه كل إنسان، فالفقير يرى السعادة في المال، والمريض يرى السعادة في الصحة، والأعزب يرى السعادة في الزواج وهكذا…

   هذا، ويلفت الانتباه في تمثلات الناس للسعادة، أنه يغلب عليها الجانب المادي الذي يقترن بما هو إرضاء للحواس.

 الدلالة اللغوية :

 أ‌-     لسان العرب : ابن منظور  

     جاء في" لسان العرب" : سعد السعد بمعنى اليمن، وهو نقيض النحس. والسعود خلاف النحوسة، والسعادة خلاف الشقاوة . ونقول سعد يسعد سعدا وسعادة فهو سعيد ، نقيض شقي والجمع سعداء .

ويشتق من نفس الجدر ثلاثة ألفاض تشترك في نفس المعنى وهي : الساعد  والسعدان والسعد.

فلفظ الساعد يدل أولا، على ساعد الإنسان أو الطير أو القبيلة : فساعدا الإنسان ذراعاه  ، وساعدا الطائر جناحاه ،وساعد القبيلة رئيسها. ويدل ثانيا، على مجرى المياه ، فسعيد المزرعة نهرها الذي يسقها. ويدل ثالثا ، على مخرج اللبن في الناقة . أما لفظ السعدان فيدل على نبات ذي شوك من أطيب مراعي الإبل. وأما لفظ السعد فيدل على الطيب ذي الرائحة الزكية.

إن ما يمكن استنتاجه من هاته الدلالات هو :

أولا : اقتران السعادة بالإرضاء و الارتواء. فالنهر الذي يسقي المزرعة يرويها، ولبن الناقة يروي ويشبع صغيرها، ومنبت شوك النخل يشبع جوع الإبل، والطيب يشبع النفس برائحته العطرة.

ثانيا : اقترانها  بالعضوين اللذين يدبران الجسد، وهما: الساعدان.

ومن هنا يكتسب اليمن دلالتين :

 الأولى : تشير إلى ما هو مادي محسوس، وتتمثل في الإرضاء والإشباع.

 الثانية : تومئ إلى ما هو عقلي، وتتمثل في التدبير، فعمدة المدينة وساعدها هو رئيسها وعقلها المدبر لشؤونها والمسير لها نحو ما هو أفضل لها. ولا يمكن في هذا السياق تصور سعادة بدون تعاون واجتماع.

    يتضح من كل ما سبق، أن التعريف اللغوي للسعادة  قد وسع من دلالتها، بشكل جعلها تنفتح على عنصر لا مادي، من طبيعة عقلية واجتماعية وسياسية تتعلق بالتفكير والتدبير.

  الدلالة الفلسفية :

 أ- المعجم الفلسفي : جميل صليبا [1]

    السعادة هي الرضا التام بما تناله النفس من الخير. والفرق بينها وبين اللذة أن السعادة حالة خاصة بالإنسان، وأن رضا النفس بها تام. إذ من شرط السعادة أن تكون ميول النفس كلها راضية مرضية، وأن يكون رضاها بما حصلت عليه من الخير تاما ودائما. في حين أن" اللذة " حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان، وأن رضا النفس بها مؤقت .

   وإذا كانت السعادة هي حالة إرضاء وإشباع وارتياح تام للرغبات يتسم بالثبات، فانه متى سمت إلى مستوى الرضا الروحي ونعيم التأمل والنظر، أصبحت غبطة . و إن كانت هذه أسمى وأدوم.

وللفلاسفة في حقيقة السعادة آراء مختلفة: فمنهم من يقول إن السعادة هي في إتباع الفضيلة (أفلاطون)، ومنهم من يقول إنها في الاستمتاع بالملذات الحسية المدرسة (القورينائية)، أما أرسطو فانه يوحد الخير الأعلى و السعادة ، ويجعل اللذة شرطا ضروريا للسعادة لا شرطا كافيا. وعين الأمر يقول به أبيقور الذي اعتبر اللذة هي غاية الحياة ، وان كان هو يقيم فروقا بين اللذات. أما الرواقيون فإنهم يرجعون السعادة إلى الفعل الموافق للعقل، وهي- أي السعادة- في نظرهم غير ممتنعة عن الحكم ، وان كان طريقها محفوفا بالألم .

 ب‌- موسوعة لالاند الفلسفية : أندريه لالاند [2]

  السعادة هي حالة رضا تام تستأثر بمجامع الوعي .

 السعادة هي إرضاء كل الميول وإشباعها.

     يتبدى لنا من كل ما سبق، أن مفهوم السعادة تتداخل فيه دلالات متباينة قاموسية وفلسفية وتمثلية .كما يلوح لنا أن هذا المفهوم تتقاطع فيه حقول مختلفة بيولوجية واجتماعية وسياسية وميتافيزيقية وسيكولوجية . فضلا عن أنه يتاخم جملة من المفاهيم الفلسفية الأساسية:  كاللذة و الألم والفضيلة والخير الأعلى والعقل والنفس والسياسة والعدالة والخيال و الفطرة و المحاكاة و الواجب والغير       و الإرادة …

   هذا، ويطرح مفهوم السعادة جملة من الإشكالات من أهمها : ما هي السعادة؟ هل طلب السعادة غاية كل الناس ؟ ولماذا ؟ هل نطلب السعادة من أجل ذاتها أم من أجل أشياء أخرى ؟ ولماذا؟هل يمكن تحقيق السعادة ؟ وبأية وسائل ؟ ما هي علاقة السعادة بالواجب ، هل هي علاقة تكامل أم علاقة    إعاقة ؟ بمعنى أخر هل تكمن السعادة أساسا في أن نفعل ما نريد أم في انصياعنا للواجب والقانون  ؟  هل السعادة واجب نحو الذات أم نحو الغير أم هما معا ؟

كل هذه الإشكالات التي أثارها مفهوم السعادة و أخرى، سنحاول التعرف على إجابتها من خلال نصوص بعض الفلاسفة الذين تناولوا هذا المفهوم تحديدا واستشكالا…

 المحور الأول : تمثلات السعادة

   تـقــديــــم :

       يختلف الناس و الفلاسفة على السواء في تمثلهم للسعادة. فالعوام يربطونها بالثروة و الجاه       و النفوذ  و تحقيق المتعة في شتى أشكالها و عموما يمكن القول أن التمثل العامي للسعادة يهيمن عليه المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة الجسدية. أما الفلاسفة فهم أيضا يختلفون في تمثلهم للسعادة ،فمنهم من يراها في علاقتها بالفضيلة و التأمل العقلي و منهم(فلاسفة الإسلام) من حاول التوفيق بين التأمل العقلي و ما هو ديني أي السعادة الاخروية ، و هناك من يرى أن كل هذه التمثلات حسية و جزئية ، أما عندما نتحدث عن مفهوم السعادة نكون محتاجين إلى " كل مطلق ". و هناك من الفلاسفة من يعتبرها فردية و منهم من يعتبر أن السعادة لا تكون إلا داخل     دولة . و آخرون يقولون بأنه من المستحيل أن نستدل على وجود السعادة بل يجب أن نعمل على تحصيلها فهي ممارسة .

 أمام هذا التعدد في تمثل السعادة نجد انه لابد من طرح بعض الإشكالات :    
*هل السعادة  ممكنة ؟

* هل يمكن أن نستدل على وجودها ؟

*هل هي غاية كل الناس ؟

*هل يمكن بلوغها ،و بأية وسائل ؟

*هل نطلبها من اجل ذاتها أم من اجل أشياء أخرى ؟

 الموقف الأرسطي :

        إن الغاية من السياسة باعتبارها ،هي تحقيق الخير الأسمى الذي هو السعادة  و هذا النعت للخير الأسمى بالسعادة يشترك فيه كل من العامي و الفيلسوف  «فالعامي كالناس المستنيرين يسمي هدا الخير الأسمى سعادة»[3] إلا انه و على الرغم من هدا الاتفاق فإننا نجد أن هناك بونا شاسعا في تمثل المفهوم بين العامي و الفيلسوف و« انقسام الآراء هذا مرده إلى الاختلاف بشان طبيعة السعادة و أصلها» [4] فمتمثلات السعادة لدى الطبائع العامية تختلف من شخص لآخر فالمريض يراها في اكتساب الصحة ، والمعوز في اكتساب المال  و العاشق يراها في الزواج من معشوقته . « إنها ليست إلا شيئا نافعا     و مطلوبا لأشياء أخرى غير ذاتها» .[5]

     أما الفيلسوف فهو يرى عكس ذلك فالسعادة عنده هي غاية بل غاية الغايات و هي تطلب لذاتها  «ينبغي وضع السعادة بين الأشياء التي تختار من اجل ذاتها إذ هي قائمة بذاتها» [6] و كل الأشياء الأخرى إنما تطلب كوسيلة لتحقيقها« كل ما يمكن تصوره إنما يطلب من اجل ما عداه إلا السعادة إذ هي غاية بحد   ذاتها » [7]

     وعموما يمكن القول أن التمثل العامي يختلف عن تمثل الحكماء دلك أن التمثل العامي يغلب المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة و اللذة لدلك يرى أرسطو انه« لا يوجد    ..إلا ثلاثة صنوف من العيشة يمكن على الخصوص تمييزها .أولها هده العيشة التي تكلمنا عليها انفا (عيشة العوام) ،ثم العيشة السياسية أو العمومية ،و أخيرا العيشة التأملية و العقلية»  و يرتبط بكل نوع من هده العيش ثلاث أنواع من السعادة، فأما  العيشة الحسية وهي سعادة اللذة الجسدية ، لذة الطعام والشراب والجنس وهي لذة يشترك فيها الإنسان والحيوان ، وهي سعادة وقتية ولو طلبت لذاتها لأدى ذلك الإسراف فيها ، ثم إلى فقد الإحساس باللذة ثم تنتهي إلى الألم والمرض ، فتحققها ليس من السعادة بشيء ، أما الثانية فهي السعادة السياسية مطلوبة من الكثير من الناس ، ولكنهم ما يلبثوا أن يشعروا بالتعاسة عندما يفقدوا مراكزهم ، ويعرفوا أن الناس كانوا يعظمونهم لأجل الوظائف التي يمثلونها وليس لأشخاصهم ، كأن هذه السعادة وقتية وهي متوقفة على الناس يمنحونها ويسلبونها وفقاً للمركز الشخصي لا للقيمة الذاتية ، إذاً هي ليس خير في حد ذاتها وليس دائمة فقد يعقبها الإهمال والتحقير . السعادة الثالثة هي السعادة العقلية فهي التي ترمي إلى تحقيق الفضيلة باعتبار أنها العمل بمقتضى الحكمة ، والحكمة ملكة عقلية تكتسب بالتمرين والتعود على طلب الحق والخير الصحيح وفضائل الحكمة عملية ونظرية ، وتبين لنا الحكمة العملية أن الفضيلة قوة تكتسبها عن طريق ممارسة أعمال تتوفر فيها الإرادة الحرة والمعرفة والنزوع إلى الخير . وإذا بحثنا عن الفضائل نجد أنها تقع في الوسط ما بين المغالاة " الإفراط " والتقصير "التفريط " مثل الشجاعة وسط بين رذيلتين هما التهور والجبن ، والكرم وسط بين الإسراف والبخل والعدل وسط بين المحاباة والظلم ، وتحكم العقل والإرادة في تعيين الفضيلة يتم عن طريقهما الممارسة الواقعية للفضيلة ، فإذا عود الإنسان نفسه أن يتلمس الفضيلة دائماً ويقوم بها فإنها تصبح طبيعة فيه يتجه إليها من دون تردد وبذلك تتحقق له السعادة .

 موقف ابن مسكويه :

    يحاول ابن مسكويه تقديم التمثلات السائدة عن السعادة لدى كل من الحكماء و العوام و هو اد يُفصل في هدا فيقول إن الحكماء من أمثال فيتاغورس و بقراط و أفلاطون لما قسموا السعادة جعلوها كلها في قوى النفس ،أي القوى الثلاث : القوة الغضبية،القوة الشهوانية ،و القوة العاقلة القوة الشهوانية التي تحرك الإنسان إلى ما يشتهيه أو يجذبه من الملذات والخيرات. والقوة الغضبية التي تحركه إلى "الغضب" عدوانا أو دفاعا أو نجدة. والقوة الناطقة العاقلة وهي التي يحصل بها التمييز والروية والتفكر. ولكل من هذه القوى فضيلتها: ففضيلة النفس الشهوانية العفة، وفضيلة النفس الغضبية النجدة، وفضيلة النفس العاقلة الحكمة. ومن اعتدال هذه الفضائل الثلاث ومن نسبة بعضها إلى بعض تحدث فضيلة رابعة هي كمالها وتمامها وهي العدالة و اجمعوا على أن« هده الفضائل هي كافية في السعادة  و لا يحتاج معها إلى غيرها من فضائل البدن و ما هو خارج البدن»[8] و بالتالي فالسعادة عندهم هي سعادة نفس و« سائر الأشياء الخارجة عنها ،فليست عندهم بقادحة في السعادة البتة»[9]

    أما الرواقيون فجعلوا السعادة في النفس غير مكتملة إذا لم تقترن بالجسد أو حتى ما هو خارج الجسد هدا بخلاف المحققين من الحكماء الدين لا يربطون السعادة بما هو خارج الجسد فيعتبرونها تابثة لا تتغير و لا يلحقها زوال و لاتغيير .   

أما العامة فتختلف طبائعهم في تمثل السعادة بحسب حاجياتهم ،فالمريض يراها في اكتساب الصحة ، والمعوز في اكتساب المال والغريب في العودة لوطنه و عموما يمكن القول إن التمثل العامي للسعادة يهيمن عليه المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة و اللذة . و الحكماء يرون أن كل هذه التمثلات سعادة   و لكن شريطة أن تكون «عند الحاجة و في الوقت الذي يجب و كما يجب و عند من يجب، فهده سعادات كلها، و ما كان منها يراد لشيء أخر ؛فلذلك الشيء أحق باسم السعادة »[10] فالمريض مثلا يجد السعادة فيما يحتاج إليه و هي الصحة .

 موقف الفارابي :

      لما كان المقصود من الوجود الإنساني بلوغ السعادة عن طريق إدراك المعقولات او المبادئ التي يتاسس عليها وجود الكون و الإنسان ثم كانت هده المعقولات لدى جميع الناس أصحاب الفطر السليمة و التي  « يسعون بها نحو أمور و افعلا مشتركة لهم ؛ ثم بعد دلك يتفاوتون و يختلفون فتصير لهم فطر تخص كل واحد و كل طائفة »[11] لزم عن اختلاف الفطر عدم قدرة كل إنسان على أن يعلم من تلقاء نفسه السعادة و لا ان يعملها ،فوجب بدلك ضرورة وجود معلم أو مرشد يرشده إلى الكيفية التي تمكنه من ان يجعل السعادة غايته ثم « يعلم الأشياء التي ينبغي أن يعملها حتى ينال بها السعادة»[12]     و تبعا لاختلاف الفطر جب على المعلم أن يسلك طرقا مختلفة باختلاف الطوائف و الأمم ،فقد يتم ذلك بطرقة نظرية خالصة (الخاصة) أو بطريقة تعتمد على المحاكاة كفن للتبليغ  و التخييل (العامة).

 الموقف الأفلاطوني :

      ليست السعادة حسب أفلاطون شأنا شخصيّا بقدر ما هي قضيّة تتعلّق بالمدينة ككلّ وبالتّالي لا يمكن تحقيق الكمال إلاّ في مدينة محكمة التّنظيم. «إننا لم نستهدف في تأسيس دولتنا جلب السعادة الكاملة لفئة معينة من المواطنين و إنما كان هدفنا أن نكفل اكبر قدر ممكن من السعادة للدولة بأسرها »[13]  السٌعادة بالنٌسبة لأفلاطون عندئذ هي سعادة المدينة ككلٌ والتي تتحقٌق بالانسجام بين جميع أطرافها وشرائحها، فكما يجب أن يوجد انسجام في الفرد بين النٌفس العاقلة والنٌفس الغضبيٌة والنٌفس الشهوانية. فإنٌ المدينة كذلك يجب أن تنقسم إلى حرٌاس يسيٌرون شؤونها العامٌة وجنود يسهرون على الأمن ورعيٌة تقوم بالأعمال الأخرى الضٌروريٌة مثل الفلاحة والصٌناعة….إلخ. أما إذا لم يحترموا هدا النظام فإننا  « نحض حراسنا و حماتنا بالوعد أو نرغمهم بالوعيد كما نفعل مع غيرهم من المواطنين على أن يؤدوا على خير وجه ما يصلحون من الوظائف»[14] فبدلك تتحقق العدالة و تزدهر الدولة     و بازدهار هده الأخيرة« وعندما تزدهر الدولة بأسرها... نترك لمكل طبقة أن تتمع بالسعادة على قدر ما تؤهلها لذلك الطبيعة »  [15]

 الموقف الكانطي :

       يحاول كانط في كتابه " أسس ميتافيزيقا الأخلاق " و بالضبط في النص الماثل أمامنا أن يحدد العلاقة التي تربط السعادة بالعقل و الخيال . بمعنى هل نتمثل السعادة بالعقل أم بالخيال. و كمحاولة للإجابة عن هدا السؤال يرى كانط أن تصور السعادة لا يمكن أن يكون بالعقل بل بالخيال،كيف ذلك ؟       إن "جميع العناصر التي تؤلف تصور السعادة ..لزم أن تستعار من التجربة " إما عندما نتحدث عن مفهوم السعادة نكون محتاجين إلى " كل مطلق " ما معنى ذلك؟

     إن أمر السعادة ينصب على الوسائل الضرورية لانجاز هده الغاية ،ذلك لأنه ينجم تحليليا من الغاية التي يسعى إليها الإرادة ،تبعا للصيغة التي غدت قولا مأثورا :من يروم الغاية ،يروم الوسائل (تبعا  للعقل)اللازمة للوصول إليها و التي هي في مقدوره و بالتالي فجميع العناصر التي تؤلف تصور السعادة هي في جملتها عناصر تجريبية ،أي انه يلزم أن تشتق من التجربة . أما عندما نريد أن نتحدث عن فكرة السعادة فإننا نحتاج إلى كل مطلق ،إلا أننا نجد انه من المستحيل للإنسان ككائن متناه ،محدود بحدود التجربة « أن يكون لنفسه تصورا محددا لما يبغيه هنا على الحقيقة »[16] هل يريد حياة طويلة ؟ فمن يضمن له إلا تكون شقاءا طويلا و بالتالي فمن الصعب عليه أن حدد كيف يكون   سعيدا . فليس ثمة في هذا الشأن أمر يمكنه أن يقرر بالمعنى الدقيق للكلمة أن نفعل ما يجعلنا سعداء « دلكم لان السعادة هي مثل أعلى لا للعقل بل للخيال»[17]  فلا يمكن انطلاقا من نتائج هي في الواقع لامتناهية أن نعطي تحديدا للسعادة .  

 موقف ( إميل شارتي) ألان :

       يعتبر ألان أن الأمل في السعادة هو السعادة ،ألان أن الأمل في السعادة لا يعني أن ننتظر السعادة لتأتي الينا و صوبنا ،ولا يعني كذلك استحالة الحصول عليها او بلوغها ،و لا انها وهم ،بل يعني هدا أن  " نعمل على تحصيلها الآن[18] دلك أن « السعادة ليست شيئا نطارده بل هي شيء نتملكه ،و خارج هدا التملك فهي ليست سوى لفظ»  [19]  إلا أن هدا التملك للسعادة مشروط بالرغبة في أن نكون سعداء ،لدلك يجب على المرء « أن يطلب سعادته و أن يصنعها »[20] إن ألان يؤكد هنا وخاصة في كتابه                             "PROPOS SUR LE BONHEUR"  ان السعادة لا تتوقف على العالم الخارجي او المحيط بالشخص و إنما  يتوقف على الشخص ذاته  أي أن فعل السعادة لا يتحقق إلا بالإرادة .دلك أن تحقيق السعادة لا يتأتى إلا بالصراع ضد المعيقات التي تحول دون ذلك و لا يجب الاعتراف بالهزيمة طالما لم نتجاوز هذه المعيقات .*[21]



المحورالثاني : البحث عن السعادة.

   تـقــديــــم :

      يطرح هذا المحور الثاني من درس السعادة،إشكالين اثنين رئيسيين وهما :  بأي شكل تكون السعادة ممكنة ؟ أو بعبارة أخرى هل يمكن تحقيق السعادة ؟ وإذا كان الجواب بالاجاب ، فما السبيل إلى تحقيقها ؟ وعن هذين الإشكالين الرئيسيين تتفرع جملة من الإشكالات الفرعية : هل تحقيق لذاتنا كفيل بتحصيلنا السعادة ؟ وهل كل اللذات تحقق لنا السعادة ؟ ما علاقة السعادة بالزمن ؟ هل السعادة أمر دائم أم أمل عابر ؟ وما علاقتها بالفنون والذوق؟…

 موقف سينكا :

    يطرح سينكا في هذا النص إشكال ماهي الكيفية أو الوسيلة التي من خلالها يمكننا تحقيق الحياة السعيدة ؟ فإذا كانت السعادة هي مبتغى الناس أجمعين في هذه الحياة ، فما هي الكيفية التي بواسطتها نستطيع أن نحصلها؟ بيد أنه لاحظ أنه بمجرد ما يطرح هذا السؤال حتى تختلط علينا الأمور. وحتى يزول هذا الخلط على الإنسان- في نظر سينكا- أن يحدد هدفه بكل دقة، ثم بعد ذلك ينظر في كل الاتجاهات عن السبيل الكفيل بأن يقوده إلى تحقيق هدفه بأقصى سرعة، هذا الطريق أو السبيل الذي ينبغي أن يكون مستقيما حتى نتمكن من أن نعرف كل يوم كم تقدمنا وكم اقترفنا من هدفنا ، هذا الهدف الذي تدفعنا نحوه الرغبة اللازمة لطبيعتنا. و حتى نتمكن من اختيار الطريق المستقيم  الذي وحده سيقودنا إلى تحقيق هدفنا علينا أن نستعين بإنسان خبير أو مرشد حكيم يكون سبق له وأن  اختبر الهدف الذي نقصده . هذا ، ويحذرنا سينكا عند عزمنا  السفر بحثا عن السعادة أن نسلك الطريق الأكثر استعمالا. إذ هو الأكثر تضليلا ،وما هذا السبيل الأكثر استعمالا إلا طريق أو سبيل العامة,بل بالضد من ذلك، علينا أن نبتعد عن طريق المحاكاة ،أي الاستقلال عن الطريق الذي تتبعه العام في تحصيل السعادة وإتباع طريق" العقل". [22]

 موقف أبيقور :

     إن المتأمل في هذا النص بأجل نظر وأدقه، يتبدى له أن أبيقور يطرح فيه قضية السعادة  في علاقتها بمبدأ اللذة .هذه القضية التي يمكن صوغها في اشكلين اثنين وهما: هل تحقيق لذاتنا كفيل بتحصيلنا السعادة ؟ وهل كل اللذات تحقق لنا السعادة ؟

   يجيب أبيقور عن الإشكال الأول بالا جاب فيقول : " إن اللذة هي مبدأ الحياة السعيدة وغايتها ". بمعنى أخر أن تحقيقنا للذاتنا، وتجنبنا للألم- كما سيذكر في موضع آخر من النص-هو ما يجعلنا سعداء . وبهذا تكون السعادة عند أبيقور هي:" لذة تلحق النفس والجسد ". لكن، دون أن  يعني هذا أن كل ا لذات تحقق لنا السعادة - من وجهة نظر أبيقور- . إذ من الذات ما يكون مفعولها عكسيا ، بمعنى أنه عوض أن تحقق لنا السعادة تتسبب لنا في الألم . والعكس صحيح ، فمن الآلام ما يكون وراء الصبر عليها تحصيل لذة أعظم. ومن هنا  فلا ينبغي علينا أن نبحث عن كل اللذات وبالمقابل علينا ألا نتجنب كل ألآلام . هذا، ويشدد المذهب الأبيقوري على فضيلة القناعة ،أي أن نقنع بما نملك وان كان قليلا . إذ المتعة التي نجدها في تناول الطعام البسيط، ليست أقل من تلك التي نجدها في المآدب الفاخرة، بشرط أن يزول ألألم المتولد عن الحاجة . فقليل من خبز الشعير والماء يجعنا نشعر بلذة عظيمة إذا كانت الحاجة إليهما شديدة. والى جانب تشديده على فضيلة القناعة يؤكد أبيقور على العيش البسيط، دونما أن يعني ذلك التقشف. فالقناعة و العيشة البسيطة لهما أفضل ما يضمن لنا الصحة الجيدة ، وما ييسر لنا الاستجابة لمتطلبات الحياة الضرورية، كما أنهما يجعلننا عند وجودنا أمام ما لذ وطاب من الأكل، قادرين على التمتع بذلك حق التمتع. فتناول ما لذ وطاب من الأكل يوميا ينقص من لذة تمتعنا به. فضلا عن أن تشبثنا بفضيلة القناعة والعيشة البسيطة يجعلننا لا نخشى تقلبات الدهر .[23]

 موقف  شوبنهاور:

      يطرح شوبنهاور في هذا النص إشكالين وهما : ما هو الأصل في هذا العالم؟ أهو الألم و العذاب أم المتعة و الإشباع ؟ وهل السعادة أمر دائم أم أمل عابر ؟

    يعتبر شوبنهاور أن حقيقة هذا العالم أو ماهيته هي الألم والعذاب و الحرمان ، أي أن الأصل في الحياة هو الألم والحرمان أم الإشباع و البهجة فهما ليسا سوى أمل عابر أمام الألم والعذاب والشقاء الدائمين. وشوبنهاور ينعت هذه السعادة غير الدائمة العابرة اللحظية بالسعادة" السالبة" ، لأنه سرعان ما يعقبها :"إما شرا مستجدا وإما فتورا وانتظارا" لسعادة لحظية عابرة أخرى .وإذا كان الأمر هكذا، فان هذا ما يفسر لنا عدم اكترتنا بما لدينا من ممتلكات وامتيازات ،لأن السعادة التي تمنحنا إياها ليست سوى إعفاءا لنا من بعض العذابات. ويدلل شوبنهاور على أطروحته بالفن وبخاصة الشعر، حيث نجد موضوع القصيدة الملحمية أو المأساوية لا يمكن أن يكون سوى شجارا أو جهدا أو معركة . وهذه المواضيع كلها تمثل الألم والشقاء الذي يتحمله الإنسان في سبيل تحقيقه سعادة سالبة، أي سعادة لحظية عابرة.

ومن كل ما سبق، نخلص إلى أن الأصل في الحياة بحسب شوبنهاور هو الألم والشقاء، وأن السعادة هي مجرد لحظات عابرة ، تتخلل بين الفينة و الأخرى هذا المسير من الألم والعذاب الذي يحكم حياتنا كلها.[24]

 موقف دافيد هيوم :

    يعالج دافيد هيوم في هذا النص إشكال علاقة السعادة بالفنون والذوق .إذ يميز هو بين نوعين من الرهافة :" رهافة الإحساس" و"رهافة الذوق".

   فالأفراد الذين لهم رهافة في الإحساس يكونون بالغي الحساسية تجاه عوارض الحياة وحوادثها، فأنت تجدهم فرحين بالحياة مقبلين عليها كلما كان هناك أي حدث طيب يمسهم . وبالضد من ذلك شديدي التألم عندما يمسهم ما يحزنهم. وعين الانفعالات التي يحس بها من لديه رهافة الإحساس عند مصادفته لحدث طيب أو لحدث مؤلم، يشعر بها من لديه "رهافة الذوق"، عند مصادفته كل جمال أو قبح أو تشوه . فلما نقدم له قصيدة شعرية أو لوحة فنية، فان رهافة ذوقه تجعل كل جوارحه ترتعش أمام ما يقدم له ، فيتذوق جمال الخطوط التي خطتها يد الرسام، ويتذوق الكلمات التي كتبها الشاعر. وبالمقابل نجده يشعر بالاشمئزاز أمام  كل ما ليس بجميل، أمام كل فعل تم انجازه بدون دقة. وبالجملة، فحتى نحصل السعادة - بحسب هيوم – علينا" تهذيب ذوقنا" ليكون راقيا، حتى نتمكن من اختيار وفهم الفنون الأكثر نبلا التي ستشعرنا بالسعادة ، سواء كانت شعرا أو نثرا أو موسيقى أو رسما .[25]

 المحور الثالث׃ السعادة و الواجب .

   تـقــديــــم :

         ﺇن الإنسان باعتباره كائن طبيعي- اجتماعي كان لزاما عليه الدخول ﺇلى القيم اﻷخلاقية،لكي يتحرر من دوافعه الغريزية وما يمكن ﺃن يترتب عنها من عنف تجاه الآخرين. فباﻹضافة ﺇلى ازدواجية الطبيعي والاجتماعي التي تشكل حقيقة اﻹنسان هناك ازدواجية ثانية تطبع وجوده اﻷخلاقي هي ازدواجية اﻹلزام و اﻹلتزام،ﺇلزامية أخلاقيه تفرضها قيم المجتمع ,والتزام أخلاقي يستمد مبادئه من وعي الإنسان.

        من داخل جدلية اﻹلزام و اﻹلتزام يطمح اﻹنسان ﺇلى خلق توازن لبلوغ السعادة باعتبارها الغاية القصوى للفعل الإنساني المتجه نحو تجسيد قيم أخلاقية فردية وجماعية،وتحديد الواجبات التي على كل فرد القيام  بها سواء نحو ذاته ﺃم تجاه الغير.وﺇذا كان اﻷمر كذلك فان السعادة تبنى داخل علاقات ﺇنسانيه يتشابك فيها واجب ﺇسعاد الذات بواجب ﺇسعاد الغير مما يحفزنا على طرح التساؤلات التالية׃

ما هي علاقة السعادة بالواجب ،هل هي علاقة تكامل ﺃو علاقة  ﺇعاقة؟

  بمعنى ﺁخر، هل يكمن ﺃساس السعادة في فعل ما نريد،ﺃم في الانصياع للواجب و القانون،طبيعيا كان ﺃو ﺃخلاقيا؟

 وإذا كانت هناك علاقة بين السعادة والواجب فهل السعادة واجب نحو الذات ﺃم نحو الغير, ﺃم هما معا؟

 وفي الختام كيف يمكن بلوغ السعادة في ظل تمفصلاتها مع مفاهيم الواجب والغير والإرادة؟

 موقف ابكتيت :

        ﻠﻺجابة عن هده التساؤلات يمكن الاستئناس بأحد المواقف الفكرية التي حاولت ربط السعادة بالواجب والإرادة والمتمثلة في الفيلسوف الرواقي "ابيكتيت" epectète" ( 125-50) الذي يعتبر من أهم  أعلام الفلسفة الرواقية التي ظهرت في نفس الفترة التي ظهرت فيها الأبيقورية وكانت معارضة لها. تنطلق هذه المدرسة من فكرة أن في الطبيعة قانون و عقل و اﻹنسان جزء من هذه الطبيعة و ﻫﻨا العقل.وإذا استنتجنا من ﻫﻨﻩ الفكرة في نظرية المعرفة  نتائجها الأخلاقية نجد ﻫﻨﻩ المدرسة تدعو اﻹنسان إلى أن يحيا وفق ﻫﻨﻩ الطيعة إذا أراد ﺇدراك السعادة و تجنب الشقاء، وﺇلا سيكون متمردا على  

القانون الطبيعي.

       ويتعرف الإنسان على قانون سيرته في ﻫﻨﻩ الحياة بالرجوع إلى ميوله  الأساسية التي وضعتها الطبيعة فيه لتدله على ما يريد. والميل الأول ﻫﻮ حب البقاء الذي يهديه لتمييز ما يوافقه وما يضاده.  و اﻷبيقورية في نظرهم على ضلال حين رأت أن الميل الأول طلب اللـﻨة، فما اللذة و الألم ﺇلا عرض ينشأ حين يحصل الإنسان على ما يوافق طبيعته أو بضادها  لذلك تنقلب اللذة ألما وشرا ﺇن ظلت لذتها دون النظر ﺇلى مدى مطابقتها للقانون الطبيعي و اﻹرادة الكلية،ففي تلك المطابقة وحدها الحكمة والخير والفضيلة والسعادة.ولعل ابكتيت لايخرج عن تعاليم مدرسته،فهو يرى على غرارها أن الطريق الموصل ﺇلى السعادة هو الخضوع للقانون الطبيعي و اﻹردة الكلية التي هي مبدأ كل ما يحدث.ففي العالم أشياء تتوقف علينا وأشياء خارجة عن إرادتنا، فكلما تحركنا في دائرة الأفعال التي تخصنا توصلنا ﺇلى السعادة، في حين يؤدي التحرك خارج ﻫﻧﻩ الدائرة أو التطلع ﺇلى الأشياء الخارجة عن ﺇرادتنا أو التي توجد تحت سيطرة الغير ﺇلى اﻹاضطراب والشكوى ،وبالتالي ﺇلى التعاسة. [26]

       ﺇن مايجلب للناس التعاسة ليست اﻷشياء في ذاتها بل اﻵراء التي لديهم  عنها، فالموت حسب ابيكتيت ليس شرا وألما في ذاته ولو كان كذلك لبدا لسقراط كذلك.بل إن الشر يكمن في الرأي الذي لدينا عن الموت بأنه شر وألم فذاك هو الشر أما الموت في ذاته،مطابق للقانون الطبيعي و اﻹرادة الكلية.فكل اﻷشياء العرضية كالموت وغيره ليس متعلقا بإرادتنا وليس خيرا أو شرا بالذات بل متعلقا باﻹرادة الكلية والقانون الطبيعي،فمن الحماقة أن نهلع لمرض أو نحزن لنكبة وما هذه اﻹانفعالات لمجدية لدفع هذه اﻷخطار بل من الواجب أن نعتصم بإرادتنا الفردية ونحتفظ بحريتنا لنرتفع بأنفسنا فوق كل شيء لانخاف،لانحزن بل نقبل كل مايصبنا من رزايا.فمن واجب اﻹنسان ﺇذا أرادا أن يحيا سعيدا وبإمكانه ذلك أن يعمل على مطابقة ﺇرادته الفردية مع اﻹرادة الكلية.

 موقف كانط :

        ﺇذا كانت الرواقية في شخص ابيكبيت قد رأت أن الطريق الموصل ﺇلى السعادة هو الخضوع  للقانون الطبيعي، فان "ﺇيمانويل كانط"﴿1724-1804﴾يرى أن هذا القانون أخلاقيا وليس طبيعيا،عقليا وليس مستمدا من الميول الأساسية عند اﻹنسان.فالسعادة عنده لا يمكن أن تكون مستقلة عن القانون الأخلاقي  وعن مبدأ الواجب،لأن ميدان الأخلاق والذي تعتبر السعادة غايته ليس ميدانا لتحليل العواطف الإنسانية كما ذهب إلى ذلك دفيد هيوم،وﺇلا لكانت المبادئ الأخلاقية مبادئ متنازع      عليها. [27]كما أنه لايمكن أن يكون مستمدا من الميول ا لأساسية التي وضعتها الطبيعة في الإنسان كما ذهب إلى ذلك ابيكتيت. معنى هذا أن للأخلاق أصول عامة شامله وصادقة في كل زمان ومكان .ولكن ما الذي يدفعنا لأن نخضع لهذه المبادئ اﻷخلاقية؟ يجب كانط: «مامن منفعة تدفعني إلى هذا إذ لو كان الأمر كذلك لما أمكن قيام أمر أخلاقي مطلق.». [28]لأن مبدأ الأخلاقية مستقل تمام الاستقلال عن طبيعتنا الحسية فهو مستمد من الصورة الخالصة للعقل دون الاستعانة بالحساسية.كما أن اﻹنسان نظرا لتميزه بالعقل في غير حاجة ﺇلى الفلسفة أو العلم لفعل ما يجب عليه القيام به،ففي تجربة الصراع بين الضمير والأهواء ينبثق  المبدأ العقلي للواجب الذي يلزم ﻹنسان بتطبيق القانون ﻹخلاقي حتى ولو تعارض مع ميولا ته ومنطلق هذا الواجب هو اﻹرادة الخيرة، ﺇﺫلا قيمة للفضائل بدون ﻫذاﻹرادة.

       من هذا المنطلق صرح كانط أن السعادة باعتبارها كل مطلق مركب من مجموعة من الرغبات يصعب تحقيقه أو تعريفها،ﻹن جميع العناصر التي تؤلفها هي في جملتها مستعارة من التجربة مما يجعلها مفهوما للخيال وليس للعقل.في حين نجد اﻹنسان لكونه كائن متناه عاجز عن تحقيق تصور محدد لما يريد.لكن لو انتقلنا من تصور يشرط السعادة بتحقيق رغبة ما أو إقصائها إلى تصور يجعل منها غاية تبنى داخل مجال العلاقات اﻹنسانية  ويجعله منها أيضا موجها لتصرفاته سواء نحو ذاته أم نحو الغير،لأمكن الأمل فيها متى كنا مؤهلين لها بقانون أخلاقي.الشيء الذي يحيلنا على طرح مجموعة من التساؤلات يمكن صياغتها على الشكل التالي:هل السعادة واجب نحو الذات أم نحو الغير،أم هما معا؟وكيف يمكن إسعاد  ﺫاتي وﺇسعاد الغير؟وما علاقة السعادة بالرغبة و اﻹرادة؟

 موقف راسل و ألان  :

        ﺇن اﻹجابة عن ﻫﺫا التساؤلات تقتضي منا التمييز بين موقفين،موقف يرى أن اﻹهتمام بالغير بمودة تلقائية للتعرف عليه وفهم خصوصيته وتفرده يشكلان مصدر ﺇسعاد الغير؛وبالتالي سعادة الذات؛وهو" لبرتراند راسل"وموقف آخر يرى أن السعادة ممكنة عندما تتوفر لدى اﻹنسان ﺇرادة طلبها،غير أنها لايمكن أن تتجه للغير دون اﻹلتزام بإسعاد الذات أولا،وهو"ألان" بالنسبة لراسل يدافع عن حق كل ﺇنسان في السعادة، دون أن يكون ذالك على حساب الآخرين، لكن من زاوية أن السعادة الحقيقية لا تكمن في أنواع الموضات والهوايات و التي تعد بمثابة هروب من الواقع بل تنبثق من فكرة التضحية بالذات التي يفرضها اﻹحساس بالواجب ، بوصفه أمرا أخلاقيا مطلقا وملزما كما ذهب ﺇلى ذالك كان كانط. لهذا تراه- مثلا- يقف على مظاهر الإحراج الذي يطرحه مشكل الواجب الأسري تجاه الأبناء من صرامة وعناية من جهة،ومن جهة أخرى الحرص على المعاملة الطيبة بغية إفساح  المجال أمام المشاعر الإنسانية من عطف وحب وسعادة، ولعل هذا الموقف يتضامن مع نظرته للفلسفة التي جعل مهمتها تناول المنطق الخالص و الرموز والتركيبات ولا تعنى بالتشريع لما هو واقعي. ففي عالم الكيانات و العلاقات المنطقية المجردة تنزوي الفلسفة و العقل بعيدا عن تقلبات الشهوة و الانفعال. فراسل يطرد العقل من مجال الأخلاق وهذا ما جعله عندما يتحدث عن سعادة الغير يقول: "* ربما كان حب كثير من الناس تلقائيا وبدون مجهود، أعظم مصادر السعادة الشخصية"* معنى هذا أن الآخر يجب أن يكون محبوبا وليس مقبولا على مضض. في المقابل نجد ألان ''إميل شارتي'' يصرح بإمكانية السعادة إذا توفرت للإنسان إرادة طلبها،فمن السهل على المرء أن يكون مستاء، و من السهل عليه أيضا أن يرفض ما تقدمه الحياة من عطايا، لكن بالمقابل من السهل عليه أن يصنع من أشياء قليلة وبسيطة مظاهر السعادة التي يلتمسها في علاقته ب الآخر. بذلك يناشدنا آلان بعدم الاستسلام عند مواجهة الصعوبات وألا نعترف بالهزيمة قبل مواجهة ومقاومة نبذل فيها أقصى  ما نملك من القوة. فالسعادة لا توجد هناك بل مرتبطة برغبتنا وإرادتنا. فمن الواجب علينا أن نصنعها ونناضل من أجلها ونعلم الآخرين فن الحياة السعيدة وذلك بعدم التحدث أمامهم عن تعاستنا. فالشقاء واليأس منتشران في الهواء الذي نستنشقه جميعا، هذا يعني أن السعادة واجبة نحو الذات لأن سعادتنا تعني مباشرة سعادة الغير و تعاستنا تعني تعاسة الغير.[29]

        إن رفض السعادة حسب ألان هو السبب فيما تعرفه الإنسانية من مآس وحروب، فهذه الجثث  و الخراب و التبذير، و التقوقع هي من أفعال أناس لم يعرفوا في حياتهم قط، كيف يكونوا سعداء، ولا يطيقون رؤية كل من حاول أن يكون سعيد. فنحن مدينون بالاعتراف و التتويج،  لأولئك الذين تغلبوا على هذه السموم وعملوا على تنقية جو الحياة الاجتماعية. لتصبح السعادة في نهاية المطاف قيمة أخلاقية توجه تصرفات الإنسان في علاقته بذاته وبالآخر.

       إذا كان كل من برتراند راسل و آلان قد تحدثا عن السعادة بوصفها غاية تبنى داخل مجالات العلاقات الإنسانية، فإن الفيلسوف المؤمن يؤمن بوجود سعادة أخروية تمثل لذة بلا عناء وكمالا بلا نقصان. ولعل الغزالي لم يحدثنا عن هذا التصور في كتابه" المنقذ من الضلال"حيث يحاول تكييف ثوابت العقيدة الإسلامية  مع التجربة الصوفية المتحررة من ظاهر النص في مقاربته لمفهوم السعادة.

      إن الشرط الأساسي  لتحصيل السعادة عند الغزالي هو قطع علاقة القلب بالدنيا، و كف النفس عن الهوى، ومجاهدة الجسد لكبح رغباته، ثم المواظبة على العزلة و الخلوة والإعراض عن شواغل الحياة التي تشوش صفوة الخلوة وتقليد الأنبياء في المواظبة على العبادات، لأن السعادة تحصل بالقلب وليس بالعقل.

 خاتــــــمـــــة :

        يسمح النقاش الفلسفي حول مفهوم السعادة أولا بوضعه داخل المجال الأخلاقي القيمي بدلا من النظر إليه من زاوية شخصية فردية ،و ثانيا بادراك تعقيد و لبس هذا المفهوم حتى و إن كان الجميع متفق على أن السعادة هي الغاية القصوى الموجهة لكل سلوك أو فعل إنساني .كما يسمح هذا النقاش بادراك تمفصلات هذا المفهوم مع مفاهيم أخرى كمفهوم الرغبة و الإرادة و الحرية ،و أخيرا وضع هذا المفهوم في اطار العلاقات الأساسية لتصبح السعادة قيمة أخلاقية يلتزم فيها الإنسان بواجب إسعاد ذاته وواجب إسعاد الغير .



يمكنك زيارة المدونة بسرعة عن طريق محرك البحث جوجل فقط اكتب في مربع البحث : البوابة المغربية لدروس البكالوريا أو dorosbac . تسعدنا زيارتك دائما

التسميات:
نسر الطائر

صاحب موقع البوابة المغربية لدروس البكالوريا هدفي من انشاء موقع إغناء المحتوى العربي وخاصة المغربي
إلتحق بنا على الفيسبوك دروس باكإضغط هنا

إشترك بالموقع

ضع إيميلك ليصلك كل جديد دروس

نشر الموضوع مساعد للرقي بالموقع نحن نعمل على مساعدتكم

شـــاهـــد أيـــضـــا

0 commentaires:

حول الموقع

back to top