منهجية السؤال المفتوح من خلال أربع مذكرات وزارية متتالية

من طرف Unknown  |  نشر في :  07:15 0



منهجية السؤال المفتوح من خلال أربع مذكرات وزارية متتالية

من أين يستنبط ويستقي مدرسو الفلسفة قواعد المنهجية التي يلقنونها لتلامذتهم؟
بوصفهم موظفين، فهم ملزمون بتطبيق مقتضيات المذكرات الوزارية التي يتوصلون بها من حين لآخر.
وطبعا فالمدرس لا يُمْلي على تلامذته فحوى المذكرة حرفيا، وإن كان بعضهم يفعل !! بل يقوم بترجمة هذه المقتضيات إلى منهجيات أكثر دقة وتفصيلا مستلهما في ذلك روح التفكير الفلسفي، لنقل أنهم يتصرفون هنا لا كمدرسين/موظفين بل بوصفهم مدرسين لمادة خاصة إسمها الفلسفة

لذلك، أقترح عليكم اليوم قراءة في منهجية السؤال المفتوح كما وردت في أربع مذكرات وزارية متتالية وهي:
-المذكرة رقم 127 بتاريخ 26/09/1996
-المذكرة رقم 186-04 بتاريخ 13/10/2001
-المذكرة رقم 142-04 بتاريخ 16/10/2007
-المذكرة 159 بتاريخ27/12/2007 أو مذكرة الأطر المرجعية (وهي آخر مذكرة لحد الآن)

يتضح من لائحة هذه المذكرات، أن طرح "أسئلة مفتوحة" على التلاميذ في التقاليد المدرسية المغربية ليس وليد اليوم، لعله نمط من أنماط الاختبار ، قديم قدم الفلسفة كمادة دراسية. ولكن نظرا للتغير الجذري الذي عرفته بنية البرنامج الدراسي من حيث الاختيارات البيداغوجية والتي ترجمت في تغير جذري مس المحتويات المعرفية منذ 1996 ، فقد اقتصرت -كما لاحظتم- على تتبع منهجية السؤال المفتوح في المذكرات الوزارية منذ هذا التاريخ الأخير

ستلاحظون يا رفاقي أنه لا توجد مذكرة تتحدث عن أطروحة متضمنة في السؤال ! إنها تتحدث إما عن مضامين أو عن رهان، ، باستثناء المذكرة الأخيرة التي تتحدث عن أطروحة متضمنة احتمالا في الموضوع. لاحظوا كلمة "احتمالا"، وهي تعبير حذر وصائب ! لأن بعض أدوات الاستفهام مثل "لماذا"، تجعل السؤال متضمنا بالفعل لأطروحة أو مسلمة، يُسأل عن علتها. فليت شعري، كيف استنبط رفاقي أن السؤال متضمن لأطروحة (مثلا: هل هناك طريقة واحدة لبلوغ الحقيقة؟) أو أطروحتين متضادتين (مثلا: أيهما يحكم الآخر، النظرية أم التجربة؟)، ونسبوا كل هذه الأطروحات لواضع السؤال؟ رغم أنها إما أجوبة ومواقف يدلي بها ويبنيها المجيب/التلميذ في الحالة الأولى، أو احتمالات وإمكانيات يفحصها في الحالة الثانية !!
نسبوا إلى السؤال مضمونا، وتناسوا العبارة الرشيقة الشهيرة لجرانفيل: "يفترض السؤال الفلسفي شكا مسبقا في الجواب باعتباره معرفة (...) إن السؤال الفلسفي يفترض في الواقع أن المعرفة مستحيلة أو على الأقل أن هناك معرفة مزعومة، معرفة ليست في الواقع معرفة" (كتاب الفلسفة- المملكة المغربية -طبعة 1995)
(هناك إشكالية عويصة لاينبغي إهمالها أو تحويلها إلى مسلمة ألا وهي: "هل سؤال امتحان الفلسفة سؤال فلسفي فقط لأنه مطروح في مادة الفلسفة، أم أن نوعية المعالجة والتحليل والمساءلة التي سيقوم بها المجيب/التلميذ هي ما يجعله كذلك أي سؤالا فلسفيا؟" سأناقش ذلك في فرصة أخرى)

المذكرة رقم 127 بتاريخ 26/09/1996
نقرأ في الصفحة 11: 
إن التعبير عن السؤال المفتوح (أو الحر) يكون دائما تعبيرا خاصا، ولهذا الاعتبار لا يمكن الحديث عن صيغة موحدة، ومن ثم عن طريقة نمطية للمعالجة، بل إن الأمر يستلزم:
-قبل الإجابة على السؤال، تحليل السؤال نفسه للوقوف على ما يرومه وما ويوجد وراءه من خلفيات وأسس وما يحيل عليه من إشكالية ويلزم باستحضاره وإقصاءه أثناء المعالجة
-يكون على التلميذ أن يكشف رهانات السؤال بوسائله الخاصة
-أن يستجيب لمجموعة الشروط والمواصفات التي تمليها ضوابط الكتابة الإنشائية الفلسفية
- وينتظر من التلميذ أن يوظف مكتسباته المعرفية والمنهجية ليعبر من خلالها عن تفكيره الحر وعن قدرته على استكشاف المضامين الكامنة في السؤال، وعن توظيفه لتقنيات المساءلة
لاحظوا معي أنه لا حديث عن أية أطروحة أبدا، وقد جاءت هذه المذكرة- في نظري- أكثر وفاءا لروح التفلسف بدليل أنها اعترفت بالطابع الخاص المتعدد لصيغ الأسئلة وبالطابع المتعدد لإمكانيات المعالجة كما أكدت على ضرورة الوقوف عند مفاهيم السؤال والتي من شأنها أن تساعدنا على:
-تحديد الإشكال أو بالأحرى إعادة صياغته
-الكشف عن خلفيات وأسس السؤال
-تحديد ما يلزم استحضاره وإقصاؤه من ركام المعلومات والمعارف والمواقف الفلسفية التي اكتسبناها
لاحظوا كيف أنها تتحدث في الفقرة الأخيرة عن مضامين (وليس عن أطروحات) كامنة في السؤال ينبغي استكشافها !


المذكرة رقم 186-04 بتاريخ 13/10/2001

نقرأ في الصفحة 7 :

إن التعبير عن السؤال المفتوح (أو الحر) يكون دائما تعبيرا خاصا، ولهذا الاعتبار لا يمكن الحديث عن صيغة موحدة، ومن ثم عن طريقة نمطية للمعالجة، بل إن الأمر يستلزم:
-قبل الإجابة على السؤال، تحليل السؤال نفسه للوقوف على ما يرومه وما ويوجد وراءه من خلفيات وأسس وما يحيل عليه من إشكالية ويلزم باستحضاره واقصاءه أثناء المعالجة
-يكون على التلميذ أن يكشف رهانات السؤال بوسائله الخاصة
-أن يستجيب لمجموعة الشروط والمواصفات التي تمليها ضوابط الكتابة الإنشائية الفلسفية

لاحظوا كيف أن هذه المذكرة مجرد استنساخ للأولى، لكن بعد حذف الفقرة الأخيرة التي يرد فيها الحديث عن مضامين كامنة في السؤال يتعين على التلميذ استكشافها
لماذا هذا الحذف؟ هل تغير محرر المذكرة، أم أن المحرر الأول راجع نفسه؟ هل جاء الحذف نتيجة جدل داخل لجنة صياغة المذكرة !!؟
أمر الآن إلى المذكرة التي تلتها:


المذكرة رقم 142-04 بتاريخ 16/10/2007
في هذه المذكرة ستنضاف عبارة "إشكالي" إلى عبارة "مفتوح" ليصبح سؤالنا سؤالا إشكاليا مفتوحا !
نقرأ في الصفحة 7:

يجب أن يننصب عمل التلميذ، في هذه الصيغة على كتابة إنشاء فلسفي متكامل، بيين فيه فهمه للسؤال المطروح في علاقته بالبرنامج المقرر (4 نقط)، وتحليل عناصر الإشكال بارتباط مع المعرفة التي تقتضيها المعالجة (5 نقط)، ومناقشة الإشكال على ضوء الأطروحات والأفكار التي يراهن عليها السؤال المطروح (5 نقط) كما يتعين عليه صياغة تركيب لعناصر التحليل والمناقشة (3 نقط) واستيفاء الجوانب الشكلية في الكتابة الإنشائية: الأسلوبية واللغوية ( 3 نقط)

لقد ظهرت لأول مرة ما يسمى بــ فهم السؤال في علاقته بالبرنامج المقرر وخصصت لهم أربع نقط!! وهذاما ترجمه بعض أساتذة الفلسفة في ضرورة تضمن المقدمة لعبارة من قبيل: يندرج هذا السؤال ضمن درس (وفي ما بعد، مجزوءة) كذا وبالضبط في محور أو إشكالية كذا... فما هي..إلخ
كما ستظهر لأول مرة كلمة أطروحة بصيغة الجمع (أطروحات) بوصفها ما يراهن عليه السؤال، فأصبح للسؤال إذن أطروحات يراهن عليها! وهذا أمر مقبول رغم ذلك: خصوصا وأن مفهوم الرهان يعني ما نربحه أو نخسره إذا قبلنا أمرا ما أو رفضناه، أي نتائج اختياراتنا البدئية. وعليه فالسؤال يدفعنا للمراهنة على بعض الأطروحات وبحث ما يترتب عن كل مراهنة من نتائج...


المذكرة 159 بتاريخ27/12/2007 أو مذكرة الأطر المرجعية
جاءت هذه المذكرة لتضع كما يشير عنوانها إطارا مرجعيا تعاقديا يحد من احتمالات الفوضى التي قد يحلقها تعدد الكتب المدرسية (وكأن الأستاذ لاينبي درسه بغير الكتاب!)، ولأنها إطار مرجعي، فقد حددت في البداية - وهذا أمر مستحدث- مواصفات السؤال نفسه، كما حوت جدولا بحسب المكونات المفترضة للموضوع الإنشائي

مواصفات السؤال الإشكالي المفتوح:
إن التعبير عن السؤال الإشكالي المفتوح لا يتخذ صيغة نمطية واحدة، وينبغي أن يتصف السؤال الإشكالي بالوضوح والدقة، وأن يحيل على مجال إشكالي لمفهوم واحد أو أكثر، كما يمكن أن يحيل على المجال الإشكالي لمجزوءة واحدة أو أكثر.

الفهم ( 04 نقط)
إدراك موضوع السؤال وترابطاته؛
إبراز عناصر الإشكال.

التحليل (05نقط)
إعادة صياغة الإشكال وتحليل أسئلته الأساسية؛
توظيف المعرفة الفلسفية الملائمة لمعالجة الإشكال؛
البناء الحجاجي والمنطقي للمضامين الفلسفية.
المناقشة: (05نقط)
مناقشة الأطروحة المتضمنة احتمالا في الموضوع؛
طرح إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال.. 

التركيب: (03نقط)
استخلاص نتائج التحليل و المناقشة؛
إبراز المجهود الشخصي للتلميذ.

الجوانب الشكلية: (03نقط)
اللغة والأسلوب ووضوح الخط.

مع هذه المذكرة، انتقلنا من الحديث عن "أطروحات يراهن عليها السؤال" إلى الحديث عن " أطروحة متضمنة احتمالا في الموضوع"!
وهكذا فقد انتقلنا من الجمع (أطروحات) إلى المفرد (أطروحة)، كما انتقلنا من "السؤال" وما يراهن عليه، إلى "الموضوع" وما يتضمنه !
فهل المقصود بالموضوع هو السؤال !!؟ أم المقصود بالموضوع هو موضوع السؤال كالنظرية أو العنف أو التاريخ !؟ أم أن الموضوع هو ما سبق للمترشح ان "وضعه" في مرحلة التحليل !!؟
وبعد كل هذا تطالب المذكرة، بطرح "إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال". والسؤال هو: إذا كانت "أخرى"، فما هو هذا الشيء الذي ستكون الإمكانيات الإضافية آخر بالنسبة إليه!؟
فلو كان السؤال هو: " أيهما يحكم الآخر، النظرية أم التجربة؟" 
فهل ستكون الإمكانية الأولى هي: النظرية تحكم التجربة، 
والثانية : التجربة تحكم النظرية،
والأخرى: لا أحد يحكم الآخر! أو أن المشكل مطروح بشكل مغلوط وأن السؤال زائف؟ أو أنهما متظافران..إلخ

تلك هي المذكرات الأربع عرضت عليكم مضامينها وفحواها، وقد يتساءل البعض: وما الفائدة من استعراض فحوى مذكرات انتهى مفعولها ونسختها مذكرة جديدة ينبغي أن يؤخد بمقتضياتها ,هي المذكرة الأخيرة رقم 159 أو مايسمى مذكرة الأطر المرجعية !؟
اعتراض وجيه جزئيا ! ولكن هل يتناسى مدرس الفلسفة أن حقيقة الشيء -إن كانت له حقيقة- لاينفصل عن تاريخه وصيرورته؟! إذا كانت كل مذكرة تنسخ أخرى، فهل يعني ذلك أنها تخطئها وتسفّه ما حوته؟ ألا يعني ذلك أننا كنا نلقن التلاميذ الأخطاء ساعتها !؟
إن حجة النسخ إذن ضعيفة واهية. ألا يمكن -على العكس من ذلك-ان نرى في التغيرات التي شهدها تصورات اللجنة المركزية المصدرة والمحررة للمذكرات على امتداد أكثر من عقد من الزمان، شاهدا على مدى التخبط والضبابية الذي تشهدها المنهجية في مادة الفلسفة مقارنة مع مواد دراسية أخرى !؟ هذا التخبط الذي يعود في نظري إلى تجنبنا المستمر لفتح نقاش عميق حول المبررات والأسس الفلسفية لهذه المنهجية أو تلك ومدى قدرتها أو عجزها -في حالة تطبيقها من قبل التلميذ- على إنتاج إنشاءات فلسفية جيدة أو مقبولة...
أتمنى أن يكون هذا العمل مساهمة في تنظيم والحد من فوضى المنهجية الذي تعرفه ماة الفلسفة والذي ينعكس سلبا على التلميذ أثناء عملية التقويم


يمكنك زيارة المدونة بسرعة عن طريق محرك البحث جوجل فقط اكتب في مربع البحث : البوابة المغربية لدروس البكالوريا أو dorosbac . تسعدنا زيارتك دائما

التسميات: ,
نسر الطائر

صاحب موقع البوابة المغربية لدروس البكالوريا هدفي من انشاء موقع إغناء المحتوى العربي وخاصة المغربي
إلتحق بنا على الفيسبوك دروس باكإضغط هنا

إشترك بالموقع

ضع إيميلك ليصلك كل جديد دروس

نشر الموضوع مساعد للرقي بالموقع نحن نعمل على مساعدتكم

شـــاهـــد أيـــضـــا

0 commentaires:

حول الموقع

back to top