ملخص السعادة
من طرف Unknown |  نشر في : 11:31
0
ملخص السعادة
تقديم:
اعتبر الفارابي « أن السعادة هي غاية ما يتشوقها كل إنسان»، وأنها أعظم الخيرات جميعا؛ ذلك أن هناك خيرات كثيرة يبحث عنها الإنسان من أجل تحقيق غاية أخرى، في حين أن السعادة غاية مطلوبة لذاتها. إنها إذن نهاية الكمال الإنساني، وأقصى ما يسعى كل امرئ من أجل بلوغه. كما يمكن القول بأن السعادة هي حالة ارتياح تام للذات، يتميز عن الفرح لحركيته وعن اللذة للحظيتها. ولذلك يفترض أن السعادة هي حالة يشعر فيها الكائن البشري بالارتياح الكامل والدائم في نفس الوقت، وهذا ما لا يتوفر في الفرح أو اللذة الحسية مثلا؛ لأن الأول يرتبط بحركات انفعالية وغريزية وجسدية، بينما تظل اللذة عابرة ومؤقتة. ولذلك يحق لنا التساؤل: أين تتمثل السعادة بالضبط؟ هل يمكن وصفها بدقة؟ هل لها مدلول واحد؟ وكيف السبيل إلى بلوغها؟ وما علاقتها بالواجب؟ هل هي علاقة تكامل أم تعارض؟
المحور الأول: تمثلات السعادة.
- · طرح الإشكال:
إدا كانت السعادة هي الغاية القصوى التي يبحث عنها كل إنسان، فهل يعني دلك أننا نعرف بالضبط ما هي السعادة؟ وهل يمكن للعقل انطلاقا من اللغة أن يعبر لنا بدقة عن مفهوم السعادة؟ ثم ألا يمكن القول بأن لكل واحد منا تمثله أو تصوره الخاص للسعادة؟ ألا يجعلنا هدا ندهب إلى أن هناك مدلولات، وأيضا معايير، مختلفة للسعادة؟
لمعالجة هدا الإشكال، يمكن أن نقدم الموقفين الفلسفيين التاليين:
1- موقف أرسطو: السعادة ذات طبيعة عقلية وهي غاية في ذاتها.
يعتبر أرسطو أن السعادة ليست ملكة فطرية متاحة للجميع، بل هي فعل يتطلب الجهد والمثابرة. كما أنها غاية من أجل ذاتها، وترتبط بالفضيلة وبالأفعال المطابقة للمبادئ الأخلاقية العليا. ولذلك لا يمكن في نظره أن تتمثل السعادة في اللهو، بل « الحياة السعيدة هي التي يحياها المرء وفقا للفضيلة، وهي حياة جد واجتهاد لا حياة لهو». وكل ما يصبو إليه الإنسان من لذات حسية أو خيرات مادية أو فكرية، إنما يكون الهدف منه هو الوصول إلى السعادة. وبهذا المعنى فالسعادة تكتفي بذاتها ولا تحتاج إلى غيرها. وإذا كانت التغذية والنمو والغرائز هي مما يشترك فيه الإنسان مع النبات والحيوان، فإنه وجب البحث عن السعادة في الجانب الذي يخص الإنسان وحده وهو المتمثل في العقل والفكر. وبذلك فالسعادة تكمن في ما هو حق وخير وجميل، أي في الفضائل الأخلاقية الكاملة.
هكذا يرفض أرسطو التمثلات الشائعة حول السعادة، والتي تجعلها تتحدد إما في الثروة المادية أو في ما هو بهيمي وغريزي، أو تحددها في التهافت على المجد والشهرة و التشريفات… ويرى على العكس من ذلك أنها تتمثل في حياة التأمل الفكري والعقلي، الذي من شأنه أن يجعل صاحبه يدرك الفضيلة ويجسدها على المستوى العملي.
لكن هل يمكن للعقل فعلا أن يقدم لنا تمثلا واضحا للسعادة؟ وهل سيستخدم الناس عقولهم بنفس الكيفية للوصول إلى مدلول واحد للسعادة؟ ألا يمكن أن تؤثر الأهواء والأمزجة والمصالح على تمثل الناس للسعادة؟ وهل السعادة تكمن فقط على المستوى العقلي؟ أليس لباقي الجوانب الموجودة لدى الإنسان دور في تمثلها؟
2- موقف كانط: السعادة مثل أعلى للخيال وليس للعقل.
لا يمكن في نظر كانط إعطاء أي مدلول عقلي دقيق لمفهوم السعادة. فبالرغم من أن كل واحد من الناس يرغب في أن يكون سعيدا ويسعى إلى بلوغ السعادة، إلا أنه مع ذلك يصعب عليه تقديم تصور عقلي محدد لما من شأنه أن يجعله سعيدا. فلا الثراء ولا كثرة المعارف ولا الصحة ولا العمر الطويل … بإمكانها أن تحدد لنا ما تكونه السعادة!
ولذلك تظل السعادة حسب كانط غامضة وغير قابلة للتحديد النهائي؛ إذ لا يمكن اعتبارها مفهوما عقليا قابلا للصياغة الواضحة والدقيقة، بل إنها تظل تصورا خياليا ينبني على أسس تجريبية وحسية لا متناهية تختلف عند الأفراد حسب الحالات التي يمرون بها.
هكذا وجدنا أنفسنا أمام تصورين فلسفيين مختلفين؛ ففي الوقت الذي اعتبر فيه أرسطو
أن السعادة هي الغاية من الفضائل الأخلاقية وأنها قابلة للتعقل، نجد أن كانط ينزع صفة الغائية عن الواجب الأخلاقي، حتى ولو تعلق الأمر بالسعادة!! إذ أنه غاية في ذاته، كما ينفي إمكانية الوصول إلى تحديد عقلي للسعادة، لتظل فقط مثلا أعلى للخيال المرتبط بمحددات تجريبية لامتناهية.
المحور الثاني: البحث عن السعادة.
- · طرح الإشكال:
إدا تبين أن السعادة غاية يسعى إليها كل إنسان، فما هو السبيل أو السبل التي تؤدي إلى بلوغها؟ وإذا تبين أن الفلاسفة اختلفوا في تمثلها وتحديد مدلولها، ألا يمكن القول انطلاقا من دلك أن الطرق المؤدية إليها تختلف أيضا؟ وهل الوصول إلى السعادة متاح أصلا؟
نجد في الفلسفة اليونانية تعارضا بين موقفين:
1- الموقف الأبيقوري(أبيقور): اللذة هي سبيل السعادة.
يذهب أبيقور إلى أن « اللذة هي مبدأ الحياة السعيدة وغايتها». وبذلك، اعتبر أبيقور أن جلب اللذة ودفع الألم هو المعيار الأول لكل ما هو خير وسعادة. واللذة عنده هي تلك التي تدفع عنا ألم الجسد وتجنبنا اضطراب الروح، ولذلك لا يجب الإسراف في اللذات حتى لا تنقلب إلى آلام، كما يجب تحمل بعض الآلام التي من شأنها أن تخلق لدينا إحساسا باللذة!!
2- الموقف الرواقي(سينيكا): تكمن السعادة في اتباع العقل والرضا بالمصير.
تتمثل السعادة حسب سينيكا في التحرر من سيطرة الرغبات والأحاسيس الغريزية الحيوانية، ودلك عن طريق الاستعمال السليم للعقل الذي من شأنه أن يمكننا من معرفة حقيقة الذات الإنسانية، ويجعلنا نصدر قرارات عقلية صحيحة حول الأشياء يكون مصدرها هو العقل السليم. كما تتمثل السعادة أيضا في الاستقامة ونهج السلوك الأخلاقي الفاضل، وعدم المبالغة في التفكير في المستقبل، والقناعة بما تحقق في الحاضر.
فالسعادة إذن هي تعقل للرغبات وتحرر من سيطرتها وسلطتها عن طريق الاستعمال السليم للعقل.
أما في العصور الحديثة، فنجد مواقف فلسفية متعددة من إشكال البحث عن السعادة وطرق بلوغها، ويمكن الإشارة إلى موقفين: أحدهما لروسو والآخر لهيوم.
3- موقف روسو: السعادة حنين إلى حالة الطبيعة الأولى.
كان الإنسان حسب روسو يعيش في حالة الطبيعة الأولى حياة بسيطة وسعيدة؛ فقد كان يلبي حاجاته بشكل سهل وتلقائي من أجل حفظ بقائه. لكن صعوبة العيش جعلته يجتمع مع غيره من الناس، وتظهر لديه بعض المشاعر الإنسانية الجديدة كالحب والكراهية والحسد… مما سيؤدي إلى النزاع والصراع الذي سيجعل الإنسان يفقد حالة الطمأنينة والسعادة الأولى. كما أن ظهور الكثير من الكماليات في حالة الاجتماع وتحولها إلى عادات راسخة، سيجعل الإنسان يشعر بالشقاء حينما يفتقدها، كما لا يكون سعيدا حينما يتملكها مادامت كثيرة ولامتناهية !
هكذا يبدو أن الإنسان فقد السعادة إلى الأبد ! مادام أن الرجوع إلى حالة الطبيعة أمر مستحيل!
4- موقف هيوم: تهذيب الذوق كسبيل لبلوغ السعادة.
إذا كان روسو يعتبر أن الحصول على السعادة متعذر في إطار الاجتماع البشري، فإن دفيد هيوم يمنحنا بعض الأمل في الحصول عليها. والسبيل إلى ذلك في نظره يكمن في رهافة الإحساس من جهة، ورهافة الذوق ورقته من جهة أخرى. هكذا تؤدي مثل هذه الرفاهة إلى توسيع دائرة إحساسنا بالسعادة وبالشقاء معا !! إذ أنها تجعلنا أكثر تأثرا بالمشاهد المفرحة والمحزنة معا.
لذلك يدعو هيوم إلى نوع من التربية الجمالية عن طريق دراسة الأعمال الإبداعية الجميلة والراقية ، لأن من شأن هذه التربية أن تهذب إحساسنا وذوقنا، وتجعلنا نحس أكثر بالسعادة.
يبدو أننا هنا أمام نزعة رومانسية تشاؤمية يمثلها روسو، تتطلع إلى سعادة موجودة في حالة طبيعية بعيدا عن المجتمع، ونزعة جمالية تفاؤلية تربط السعادة بالذوق الجمالي المرهف الذي يجعل صاحبه يستمتع بجمالية الواقع ومشاهده، ويشعر بالسعادة من جراء ذلك.
المحور الثالث: السعادة والواجب.
- · طرح الإشكال:
يعيش الإنسان داخل وسط اجتماعي تحكمه مجموعة من الضوابط والقواعد سواء القانونية أو العرفية أو الأخلاقية. ولذلك، فإنه يجد نفسه ملزما بمجموعة من الواجبات تجاه نفسه وتجاه الآخرين. وإذا كان الإنسان يسعى إلى تحقيق السعادة كغاية قصوى، فهل ينبغي أن تكون الواجبات هي الدافع إلى طلب السعادة؟ ألا يمكن القول بأن السعادة لا ترتبط بالواجب وأنها ميل طبيعي وتلقائي؟ وهل تكمن السعادة بالضرورة في الامتثال للواجب؟ وهل السعادة والواجب متناغمان أم متنافران؟ وهل سعادة الفرد تمر بالضرورة من خلال إسعاد الآخرين؟ ثم ألا يمكن القول بأنه لا إسعاد للآخرين إلا عن طريق إسعاد الذات أولا؟
1- موقف راسل: السعادة ليس إحساسا صادرا عن الواجب بل هي اهتمام ودي و تلقائي بالآخرين.
بعد أن أشار برتراند راسل إلى أن الموضة والهوايات ليست مصدرا للسعادة الحقيقية، ما دامت تمثل نوعا من الهروب من الواقع ومن مواجهة مشاكل الحياة، اعتبر أن السعادة الحقيقية تمكن في الاهتمام الودي بالأشخاص والأشياء.
هكذا فالشخص السعيد هو الذي يحب الناس تلقائيا، دون أن ينتظر مقابلا لمثل هذا الحب. إنه ذلك الشخص الذي يجد المتعة في تتبع أحوال الناس وتوفير الظروف المناسبة لإشعارهم بالسرور والسعادة، دون انتظار تلقي أية مكافأة أو إعجاب من طرفهم. وغالبا ما يشعر مثل هذا الشخص بالرضا والارتياح والسعادة من جراء سلوكه التلقائي هذا مع الناس.
من هنا لا يكون دافع الشعور بالسعادة نابع من إكراه الواجب وإلزاميته، بل نابع من الميل الطبيعي إلى إسعاد الآخرين وإسعاد الذات معا. ولذلك يقول راسل: « الإحساس بالواجب يكون مفيدا في العمل، ولكنه يكون عدائيا في العلاقات الإنسانية». ذلك أن الناس يريدون أن يكونوا محبوبين بشكل تلقائي وليس عن طريق الإجبار والإكراه الذي يمثله الواجب. كما أن أكبر سعادة يمكن للمرء أن يشعر بها هي تلك النابعة من حبه واهتمامه التلقائي والطبيعي بالناس الآخرين.
لكن إذا لم أتمكن طبيعيا وتلقائيا من القيام بما من شأنه إسعاد الآخرين، ألا يمكن القول بأنه يتحتم علي القيام بذلك انطلاقا من الواجبات المفروضة علي من طرف المجتمع والأخلاق؟ ألا يمكن القول بأن إسعاد الآخرين هو واجب تجاه الذات؟ ثم ألا تتوقف سعادة الذات على واجب إسعاد الآخرين؟
2- موقف ألان (إميل شارتيي): السعادة واجب تجاه الذات والغير معا.
يؤكد ألان على أنه يجب على الإنسان أن يبذل مجهودا من أجل الحصول على السعادة. فهذه الأخيرة هي من ناحية واجب على الإنسان تجاه نفسه، كما أنها من ناحية أخرى نتاج للجهد والمثابرة؛ فهي تصنع ولا تمنح.
وإذا كانت السعادة حسب ألان واجبا نحو الذات، فهي أيضا واجب نحو الغير؛ دلك أن الآلام والمآسي المنتشرة في كل مكان في العالم، تحتم علينا بذل جهود من أجل التغلب عليها وتحقيق السعادة المأمولة. ومن جهة أخرى، يعتبر إسعاد الذات قنطرة ضرورية لإسعاد الغير، ولذلك اعتبر ألان أن أجمل هدية يمكن أن نقدمها إلى الآخرين هي أن نعمل على إسعاد أنفسنا؛ إذ كيف نتمكن من منح السعادة للآخرين ونحن نفتقدها أصلا ؟!
هكذا يتبين أن إسعاد الآخرين قد يكون ميلا طبيعيا نابعا بشكل تلقائي من الذات أو قد يكون نابعا من الواجب مما يمنحه الطابع القسري والإلزامي. كما أن إسعاد الآخرين قد يكون مصدرا لسعادة الذات، أو يكون إسعاد الذات شرطا ضروريا لإسعاد الآخرين.
يمكنك زيارة المدونة بسرعة عن طريق محرك البحث جوجل فقط اكتب في مربع البحث : البوابة المغربية لدروس البكالوريا أو dorosbac . تسعدنا زيارتك دائما
التسميات: الفلسفة
نسر الطائر
صاحب موقع البوابة المغربية لدروس البكالوريا
هدفي من انشاء موقع إغناء المحتوى العربي وخاصة المغربي
إلتحق بنا على الفيسبوك دروس باكإضغط هنا
إشترك بالموقع
ضع إيميلك ليصلك كل جديد دروس
نشر الموضوع مساعد للرقي بالموقع نحن نعمل على مساعدتكم
شـــاهـــد أيـــضـــا
0 commentaires: